يقول اليسار لماذا لم يحرر اردوغان فلسطين وكأنهم يسألون لماذا لم يسقينا المطر ونحن من كسرنا السقيا بايديهم وكأنهم نسوا او يتناسون ان من كان على حدود فلسطين لعقود لم يحررها لا بالخطابة ولا بالدبابة ولا بصوت الجماهير الذي ملته الميكروفونات في الساحات
الذين حكموا دمشق والقاهرة وبغداد وطرابلس باسم العروبة والاشتراكية والكرامة لم يورثونا الا الخيبة والانكسار كانوا يصنعون الخطب كما يصنعون الهزائم وكانوا يجهزون بيانات النصر قبل ان تبدأ المعارك وعندما ينقشع الغبار لا يبقى الا التراب في الايدي والدموع في العيون
في ثمانية واربعين ضاعت فلسطين وفي سبعة وستين تكررت الخسارة وفي كل مرة نفس المشهد الخطب تسبق الهزيمة والبيان العسكري الاول لا يعلن الانتصار بل يعلن انسحابا تكتيكيا لا ينتهي الا بخسارة استراتيجية
كان عندهم كل شيء طائرات سوفيتية ودبابات ومدرعات وانظمة دفاع جوي وبحرية كاملة وجيش من الشعارات يتقدم على جيش من الجنود ومع ذلك لم ينتصروا على كتيبة اسرائيلية واحدة كانوا يملكون ما يكفي لخوض حرب عالمية لكنهم لم ينتصروا في معركة حدودية
حكم اليسار نصف الدول العربية تقريبا مصر وسوريا العراق ليبيا الجزائر اليمن الجنوبي كلهم دخلوا التاريخ من بوابة الشعارات وخرجوا منه عبر نوافذ الانقلابات والنكبات لا وحدة تحققت ولا فلسطين تحررت ولا العدل تحقق ولا المساواة خرجت من فوهة الدبابة
وهاهم بقيا اليسار اليوم يسألون لماذا لم يحرر اردوغان فلسطين مع انه لم يكن يملك قواعد في سيناء ولا دبابات في الجولان ولا طائرات رابضة في جنوب لبنان ولا حدودا مفتوحة مع غزة لكنهم يطلبون منه ما عجز عنه عبد الناصر وهو على الضفة الاخرى من فلسطين وما لم يفعله البعث في ذروة سطوته
اردوغان لم يرفع شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر لكنه واجه اسرائيل دبلوماسيا وفضحها في الامم المتحدة وفتح ابواب تركيا لاهلها حين اغلقت في وجوههم ابواب العروبة الثورية
هم الذين كانوا يملكون كل الادوات لكنهم فقدوا الارادة وهو الذي لا يملك الحدود لكنه يملك النية والعزيمة هم بنوا جمهوريات للخوف واحتكروا القرار فانهارت دولهم وهو بنى دولة للناس فتقدمت بلاده وصاروا يسخرون منه
اليسار العربي لا يريد تحرير فلسطين بل يريد احتكار الكلام عنها ومن يرفع صوته في غير سربهم يرمونه بالرجعية والعمالة والخيانة ولو خرج اردوغان يوما وقال ساقيم دولة عربية اشتراكية وحدوية قومية لصفقوا له حتى لو لم يفعل شيئا ولكن لانه يعمل لاجل بلده ولانه مختلف عنهم يكرهونه
التاريخ لا يرحم من يعلق فشله على غيره والتجربة اليسارية العربية لا تحتاج الى من يسخر منها فهي تسخر من نفسها بما تركته خلفها من خراب وخوف وهزائم واذا كان اردوغان لم يحرر فلسطين فهو على الاقل لم يبعها ولم يصفق لمن سقطت من يده.
عبد الحميد الرحا 🖊