منظار الوجود من كوكب زحل ../

0



 اليوم كنتُ في زيارةٍ لكوكب زحل 🪐، وفي لحظةٍ من التأمل، تذكّرتُني هناك، ذاك الحييّ على الكوكب الأزرق 🌏...  

حملتُ منظارًا مكبّرًا، صُنع في المغرب واشتريتُه من طوكيو، وقلت: لأرى نفسي هناك، كيف أفرح، كيف أحزن، كيف تمرّ أحداث حياتي، حلوها ومرّها، وكيف أراها من بعيد.

تذكّرتُ الاحتجاجات، فقلت: لأشاهدها من بعيد، كيف تبدو، وكيف يبدو "الشفّار" أخنوش وهو يكذب ببلاهة...  

ومن دخل بيت زحل فهو آمن.

لكنني قلت: قبل أن أرى المجرم، لأرَني أنا أولًا، العبدَ الضعيفَ الفقير...

بدأتُ أبحث بعيني، دون رمش، عبر المنظار... فلم أرَني.  

قلت: لأرَ مدينتي... فلم أجدها.  

إذن الوطن؟ لا أثر له.  

الأرض؟ لا وجود لها.  

المجموعة الشمسية؟ لا شيء.  

آه، تذكّرتُ مجرّة التبانة... أين هي؟  

لا تبانة، ولا تبن!

وتاهت عيني في مليارات المجرّات، التي تحمل مليارات النجوم، وبلايين الكواكب...  

لكن أين الأرض؟  

أين الوطن؟  

أين المدينة؟  

أين أنا؟

أين وجودي، حتى يكون لحياتي أثرٌ في فتق الكون؟

أين أنا؟  

وأنت؟  

وهو؟ وهي؟  

أين المحتجّون؟ وأين الفاسدون؟  

وأين، يا تُرى، تقف أجيال الحروف الهجائية، من ألف العربية إلى زيد “z” الأعجمية؟

وضعتُ منظاري...  

ومن دونه، تأمّلتُ تأمّل المحكوم عليه بالموت، الثقبَ الأسود وهو يبتلع النجوم...  

تركته يجرّني، ويدي بيد زحل، وفي ما دون الرمشة... اختفيتُ، واختفى زحل.

صحوتُ مرتعبًا من حلم الفضاء هذا.  

لامستُ وجهي، قرصتُني... أنا على الأرض، في مدينتي، في وطني.

وتأكّدتُ أن وجودي حقيقةٌ في حياةٍ هي كذبةٌ كونية، بكلّ ما فيها من ألوانٍ ومشاهدٍ ودروب...  

وسرعان ما تختفي كذبتُنا، ونختفي باختفائها.

فيا ليتنا نُدرك حجمنا قبل أن نُكبر أو نُكابر،  

فنحن ومضةٌ في مجرّة،  

وظلُّ فكرةٍ في حلمٍ كونيٍّ عابر…

عبد الحليم 🖊



التصنيفات:

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)

#buttons=( أقبل ! ) #days=(20)

يستخدم موقعنا ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربتك. لمعرفة المزيد
Accept !