لطالما كنت ممن يزدري أي عالم أو شيخ اقترب من أي حاكم في عالمنا الاسلامي ..و أراه شيطانا يبصم على شرعية الطغيان..أما إن دخل البلاط أو أهدي وساما أو هدية من الدولة فهي صك عندنا بأنه رخيص باع دينه بدنيا غيره…
لكن و أنا أتأمل في طبيعة النظام السياسي الاسلامي وجدت أن من شروط الحاكم أن يكون عالما ملما بمعنى هو أيضا شيخ يفقه في الدين ..فكيف ننتقد ما هو مطلوب في الحاكم نفسه و في شروط وجوده ؟
إذا كان من شروط الخليفة العلم و دراية الدين و الصلاح الالتزامي فكيف نستنكر على العالم أن يكون مقربا للسلطان و هم يشتغلون في نفس الساحة ؟
و قرأت في التاريخ فوجدت مع النبي عليه أفضل الصلاة و السلام بطانة و هو في حكمه شيوخا من صحابته ، و مع الخلفاء نفس الأمر مستشارين و وزراء صحابة منهم شيوخا و علماء ، و مع كل الخلفاء في التاريخ الاسلامي و دوله تجد شيوخا بل كلما استند الخليفة الى الشيوخ و العلماء كلما كلما زادت قوته و توطد حكمه و عدلت دولته …
و علمت أن شيوخ السلطان ( ملك/رئيس ) جزء من بنية الدولة الاسلامية و من يستثني الشيوخ من هذه المنظومة ما درى مفاصلها و لا غاص في تفاصيلها..
كنت ساذجا لدرجة أني مثلا اتهمت الشيخ الشعراوي رحمه الله بأنه شيخ السلطان ..و من أنا أمام الإمام رحمه الله !
سيرد قائل على أن الفرق في نوعية الحكام اذ شيخا لسلطان صالح ليس كما هو شيخا لسلطان ظالم …
و هنا أقول و هذا صحيح إلا أنه دليل عكسي قوي على وجوب تقرب الشيوخ من السلطان خاصة اليوم لأن ظلمه و طغيانه أدعى لهذا التقرب !
و الدولة بهكذا وضع تحتاج للعلماء أكثر من أي وضع آخر ..فمن ينصح و يقوِّم غير الشيوخ و العلماء ؟
أو ليسوا أول المسؤولين عن الإصلاح ؟
حين ابتعد الشيوخ و العلماء عن الحكام مخافة خسران الشعبية و اتهامهم بشيوخ السلطان و البلاط ظلما فمن بقي مع السلطان ؟ من يحوم حوله غير من لا دين له و لا خلق ؟!
و لا أتحدث عن كل ناعق خصيم للظلم دوره أن يصفق للظلم فقط دوره بتطبيل أو تزمير بلا علم و لا رأي ..و لا عن أولئك الشيوخ و العلماء الذين يهربون من المسؤولية و هم يرون السلطان طاغوتا يجب اسقاطه بإيديولوجية عقيمة و بمنهجية سوداء لا ترى الا السواد بكل تطرف و غلو….!
بل أتحدث عن علماء الحق الذين تفتقدهم الامة كثيرا أولئك الذين يدعمون الحاكم فيما صلح و ينصحونه إذا أخطأ و يستنكرون عليه ما زل في حكمه ان حاد عن الجادة…!
إنه قد صار المطلوب من كل الشيوخ و العلماء دق أبواب القصور و مؤسسات الحكم و ايصال الحق و دعم الحاكم فيما توفق فيه و نهيه عن ما سقط فيه و الأخذ بيده إلى المصلحة العامة…
أما التقوقع خلف أوهام المشيخة كما يراها العامة في صورة قديمة بعيدا عن الواقع و رافعين شعار : من دخل على السلطان افتتن …فهؤلاء بين الجبن و الخوف أو بين الجهل و الحماسة الفارغة مع عدم القدرة على شيء ..فانقسم أغلب الشيوخ بين مطبل للحاكم أو مشنع منه أو صامت أخرس كأن جنسيته كوكب عطارد ….
هنا نحن أمام خذلان للوطن و للحاكم و للشعب و فرار من زمرة المصلحين و نكوص عن دعم الحق و هذيان مع وَهم التقى …….و مصلح واحد خير نن ألف صالح !
إنه حين ترك العلماء السلاطين تربع زنادقة الشعوب بطانةً للحاكم ….و حين يعود الشيوخ الى القصور و نرى كلامهم بقيمة في البلاط حينها فقط تعود لنا حضارتنا و قوتنا و ازدهارنا و مجدنا…..
عبد الحليم 🖊